الرحيل الرقمي يثير جدلاً دينياً ونفسياً بين الخبراء

أميرة خالد
شهدت الأوساط الدينية والاجتماعية مؤخراً جدلاً واسعاً مع بروز اتجاه "الرحيل الرقمي"، حيث شرعت شركات ناشئة في استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء نسخ رقمية تحاكي أصوات وصور وتصرفات المتوفين، بهدف تمكين ذويهم من التواصل معهم بعد الوفاة.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور محمد محسن رمضان، رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني بمركز العرب للأبحاث والدراسات، أن هذه الظاهرة تمثل تحولاً جوهرياً في توظيف الذكاء الاصطناعي من مجرد أداة إنتاجية إلى مجال يلامس مشاعر الفقد والحزن العميقة، واستشهد بشركات مثل HereAfter AI الأمريكية وDeepBrain AI الكورية، بالإضافة إلى تطبيقات مثل Replika AI وProject December التي تقدم محادثات تفاعلية تحاكي شخصية الراحل.
وأضاف رمضان أن هذه التقنيات، رغم دورها في تخفيف الألم عند البعض، لا تخلو من مخاطر كبيرة، أبرزها تهديدات الابتزاز الإلكتروني، الاحتيال العاطفي والمالي، غياب تشريعات تحمي الهوية الرقمية، وتأثيرها النفسي الذي قد يعيق عملية التكيف مع الفقد ويدفع نحو العزلة والواقع الافتراضي الزائف.
أما من الناحية الشرعية، فقد شدد مفتي الديار المصرية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل على أن هذه المحاكاة لا يعتد بها في الدين، مؤكداً أن علاقة الشخص المتوفى بالدنيا تنقطع بوفاته، وأن أي تفاعلات رقمية تنسب له قد تثير نزاعات ميراث أو تنشر معلومات مغلوطة، ورأى أن سلبيات التقنية تطغى على فوائدها، وأن محاكاة الموتى غير جائزة شرعاً.
وفي الإطار النفسي، أشار استشاري الصحة النفسية الدكتور وليد هندي إلى أن هذه الظاهرة تستدعي مشاعر الحنين وتخلق حالة من "الناستولوجيا" التي قد تمنح راحة مؤقتة عند محاكاة شخصيات عامة أو فنية، لكنه حذر من استخدامها مع أقارب متوفين لما قد تسببه من تجديد مشاعر الحزن، أو اضطرابات نفسية مثل القلق المرضي والانفصال عن الواقع، وصولاً إلى أعراض جسدية مثل متلازمة القلب المنكسر.
وبينما يرى البعض أن "الرحيل الرقمي" فرصة لإبقاء الذكريات حية، يحذر الخبراء من مخاطره على الأمن النفسي والاجتماعي، داعين إلى وضع تشريعات وأطر أخلاقية صارمة تحقق التوازن بين الابتكار وصون الكرامة الإنسانية.