لأجلك كتبت
في هذه الحياة التي تمتلئ بالتحديات وتزخر بالمشاغل اليومية العديدة، قد نلتقي بشخصيات كثيرة، لكن القليل منها فقط هو من يترك أثراً حقيقياً وبليغاً لا يُمحى على كل من مروا بهم، حتى ولو كانت لمرة واحدة، ولكن هذه المرة تكون كفيلة بأن يطبع الشخص بصمته في ذاكرة من حوله.
هذه الشخصيات إذا دخلت المكان تنفست الأرواح قليلاً، وإذا غابت بقيت ذكراهم خفيفة عذبة، تشبه نسمة عليلة في ظهيرة مزدحمة.
إذا غادروا المكان يتركون خلفهم فراغاً كبيراً، هذا الفراغ الذي خلفه غيابهم لا يُملأ بسهولة، لأنه ليس فراغ مكان، بل فراغ روح.
حضورهم يملأ المكان دفئاً، وهم من الشخصيات التي لا تُعوض، يمرون في حياتنا اليومية ببساطة. السر في تفردهم يكمن في الأثر الإنساني الذي تركوه، سواء بكلماتهم أو بابتساماتهم التي تظل عالقة في أذهاننا، لكننا حقيقة ندرك في أعماقنا أن حضورهم لا يمكن استبداله. فهناك أشخاص حين يغادرون، تغادر معهم دفء اللحظات وصدق المشاعر وعمق المعنى.
تأتي الصدف في حياتنا كعلامات مضيئة، قد لا نعرف معناها فوراً، لكننا ندرك لاحقاً أنها لم تكن عبثاً، وأن لكل صدفة حكمة، ولكل لقاء قصة، ولكل إنسان يأتي دون موعد رسالة يتركها في القلب لا تُنسى، ومن ثم يمضي.
لقد جمعتني صدف الأقدار فعلياً قبل فترة وجيزة بشخصية رائعة، التقيت بها عدة مرات، وتحدثت إليها أحاديث عابرة وقصيرة، ولكنها كانت أحاديث عميقة تركت أثراً لا يُنسى. كانت أحاديثها وكلماتها تحمل مقداراً وافراً من الطاقة، أسرت بها كل من حولها، حتى لو كانت الاهتمامات مختلفة.
شعرت أن بداخل تلك الشخصية روحاً طيبة نقية لا تتنفس إلا طيباً واحتراماً وأخلاقاً رفيعة.
كانت تلك الشخصية مثالاً في الإخلاص والعطاء، تزرع الأمل فيمن حولها، وتلهم الجميع بروحها الإيجابية وسلوكها النبيل. لم تكن مجرد زميلة، بل كانت روحاً تنثر الضوء في المكان أينما حلت.
وفي فترة وجيزة، استطاعت أن تبني جسوراً من المحبة والاحترام بين الجميع، وأن تترك أثراً مميزاً في العمل والعلاقات.
وعلى الرغم من قصر الفترة الزمنية التي قضتها بيننا، إلا أن بصمتها كانت عميقة وواضحة. لقد تركت خلفها إرثاً جميلاً من الأخلاق الرفيعة والتفاني الملحوظ في مجالها. كان حضورها المشرق يملأ المكان بالفرح. تعلمنا منها أن التأثير لا يُقاس بطول البقاء، بل بعمق الأثر، وأن الكلمة الطيبة والموقف النبيل قد يخلدان أكثر من أي زمن.
مغادرتها السريعة للمكان خلّفت فراغاً كبيراً، ستبقى دائماً في الذاكرة كشخصية صنعت الفرق، وأثبتت أن العطاء لا يحتاج إلى وقت طويل، بل إلى قلب صادق وروح نقية.
ولعل أجمل ما في هذه الشخصيات أنهم يرحلون جسداً، لكنهم يبقون فينا أثراً خالداً، نتذكرهم كلما مر طيفهم في الذاكرة.
بلا شك، عندما تخلو الأماكن من أولئك الأشخاص، تصبح تلك الأماكن فارغة، باهتة، لا روح فيها. فالأماكن في جوهرها ليست سوى جدران صامتة، تتنفس فقط بوجود من يملؤونها حضوراً ودفئاً. وما إن يغيبوا حتى يفقد المكان صوته، ويغدو خافتا.ً
نحن لا نرتبط بالأمكنة لذاتها، بل بمن سكنوها في ذاكرتنا. نرى فيها ملامحهم وظلالهم، فنشعر أن كل زوايا الأمكنة تهمس بأسمائهم، هناك حيث كانوا يجلسون، حيث تركوا أثراً خفياً لا تراه العين لكن تشعر به الروح.
ولعل ما يجعل هذا الشعور أكثر عمقاً هو أن الأماكن لا تتغير كثيراً بعد مغادرتهم، لكنها تبدو مختلفة تماماً في نظرنا. فالمقعد هو نفسه، والشارع هو ذاته، ولكن النبض الذي كان يحييها قد غاب. وكأن الروح التي كانت تسكن المكان غادرت معهم، وتركت خلفها صمتاً ثقيلاً.
لكن، في المقابل، تبقى تلك الأماكن شاهداً على جمال ما كان. فحتى وإن فقدت بريقها، فإنها تحتفظ بعبق الحضور القديم.
خلود فاضل، ستبقين دائماً في الذاكرة كشخصية رائعة دخلت حياتنا بهدوء، وبنفس الهدوء غادرت، إلا أن حضورك القصير كان كفيلاً بأن يخلدك في ذاكرتنا وقلوبنا جميعاً. كنتِ ولا زلتِ وستظلين شخصية استثنائية. كم هو محظوظ المكان الذي اختارك لتكملي به مشوارك العملي.
لأجلك كتبت... وسأظل أكتب، لأن هناك أرواحاً حين تمر في حياتنا، تترك أثراً ملفتاً، وتبقي فينا شغفاً للكتابة لا ينتهي.
