
سواعد الوطن تبنيه
في هذه الأيام يترقب الجميع حلول اليوم الوطني فيطلب الصغار و يتحمس الشباب لكيفية الاحتفال.
أخذت صغيرتي سُرى تتحدث عن الاحتفال فطلبت مني صنع حلوى يزينها العلم فلما رأى والدُها حماسها أخذ يداعبها قائلاً : ماذا إذا دُق الباب في اليوم الوطني و كان الذي على الباب الملك عبد الله و لم أكن بالبيت هل ستفتحين له الباب؟
فنظرت نظرة تتعجب فيها من كلامه و قالت : طبعاً.
فقال لها : و كيف نفتح الباب للغرباء؟
قالت ضاحكة : هو ليس غرباء يا بابا هذا الملك عبد الله!
فضحكنا من قولها و غمرنا إحساس جميل تجاه ذلك الشعور بالانتماء .
و رغم وجهة نظري حول الصخب الذي يعم الاحتفال و سيمفونيات المنافقين و التي تترفع الوطنية أن تكون جزء منها على أساس أن مفهوم الوطنية مفهوم أراقى و أسمى يُرسَخ في القلوب و العقول فنقوم بها يوميا و بشكل تلقائي تعبداً لله , و بالرغم من أن ما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم قوله : (حب الوطن من الإيمان ) حديث موضوع فقد قال السخاوي في المقاصد : لم أقف عليه ومعناه صحيح , و على هذا المعنى الصحيح يجب أن تبنى الناشئة .
لقد أصَّل الله تعالى لنا و سن قوانين تنظم التعاملات داخل الدولة بين المواطنين و بين المواطن و ولي الأمر على أسس حفظ الحقوق و المصالح و الاجتماع و عدم الفرقة .
لا شك أن المخالفة و التمرد أو الظلم صفات في البشر فتشيع التجاوزات على جميع الأصعدة و في جميع فئات المجتمع فتجد من يرفع العصيان شعاراً و المخالفة مساراً و عناصر الفساد التي تبتلع المال العام كبالوعات الصرف الصحي فيتقلص أو يتلاشى قبل بلوغه غرضه , و في نفس الوقت تجد كثيراً من المظلومين من يؤثر الصمت على التظلم كي لا يشمت بوطنه شامت .
و الظلم واقع مرير يسري في شرايين المجتمعات ففي الأسرة يبرز العنف الأسري و عضل المرأة و سلبها حقوقها حتى الإرث و الله المستعان .
و في المؤسسات تتنوع صنوف الظلم و بعض المسئولين لا يتوانى و لا يتورع عن تزييف الحقائق ليتخلص من المبدع و البارز كي لا يعلو عليه و يتميز فيخسر منصبه أو يفقد السيطرة , و كلما كان ذلك المسئول صاحب منصب كبير كان بطشه أكبر , و في زمن تفنن فيه الماكرون بأساليب الزيف و التملق يصعب إبراز الحقائق بل حتى المطالبة بالحقوق فيُزِيحون عن طريقهم من يريد مجد الوطن ليحافظوا على تمجيدهم ذواتهم فيُحرم الوطن مما ينتشله من صفوف العالم الثالث , و أيا كان السبب أو الأسلوب فالنتيجة واحده و هي الظلم لذلك المبدع و للوطن .
لا يوجد بلد في العلم لا يحبه مواطنيه بل حتى المقيمون لفترات طويلة في بلد ما ينمو في داخلهم شيء من الانتماء الذي لا يتعارض مع حبهم لوطنهم الأم . لكن رغم ذلك يحصل شيء من الخلل فيخربون أوطانهم بأيديهم و في كثير من الأحيان بدون وعي منهم .
لا شك أن الظلم السبب الرئيس لحدوث طفرات اختلال التوازن كالثورات فتأكل الشعوب أوطانها كالقطط تأكل صغارها شفقة و خوفاً عليهم .
و هنا أستوقفكم سائلة هل الظلم في الأوطان وليد هذا العصر ؟
بالطبع لا و التاريخ شواهده لا تُحصى لكن سأذكركم بشيء منها مما اشتهر بين الناس .
عندما فُتِن الخليفة المأمون بالفكر الاعتزالي و تقريب رؤوسِه بإقراره قولهم بخلق القرآن و محاولته إجبار علماء المسلمين على هذا القول المنكر رفض الإمام أحمد موافقة المأمون على ذلك القول و بقي يرحمه الله تعالى صابراً صامداً أمام ألوان التعذيب و الظلم الذي تعاقب عليه ثلاثة من خلفاء بني العباس و ضرب مثلاً يقتدى به في التعامل مع ولي الأمر فبالرغم من انحراف قول المعتزلة الذي تبناه المأمون و إخوته من بعده المعتصم و المتوكل و لم يكن يرحمه الله من علماء السلاطين و في نفس الوقت لم ينتصر لنفسه و لم يأذن بالخروج عليهم بل أمر بطاعتهم وحقن دماء المسلمين طاعة لله القائل ::::: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)59 النساء
و طاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم القائل : ( اسْمَعُوا و أَطِيعُوا و إِن اسْتُعْمِلَ عليكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كأنَّ رأسَهُ زَبيبَةٌ )صحيح الألباني
و كان يرحمه الله يدعو لهم لأن مصلحة الأمة أهم , لأن حقن دماء المسلمين أولى , لأن الجماعة حق و حقيقة و في أوقات الأزمات يكون ذلك أوجب و ألزم كي لا نُضيع البلاد و العباد.
فلا تأخذنا العزة بالإثم فيحدونا الانتقام للنفس لننتقم من الوطن و لا نُعين المغرضين على بلادنا بنشر عبارات التأليب و التذمر فسواعد الوطن تبنيه .
حقيقة :
بلادي و إن جارت علىَّ عزيزة و أهلي و إن ضنوا علىَّ كرام .
بقلم : ميساء باشا