Slaati
نايف حمد النعامينا

السعودية.. حين تكتب الرؤية مستقبلًا يُقرأ بكل اللغات

منذ 1 ساعة01341

مشاركة

في ذكرى اليوم الوطني الـ77، بتاريخ 23 سبتمبر 2007، خطّت يداي أول مقالاتي عن الوطن. كنت حينها أكتب بمداد الفخر، لا أعلم أن الأيام ستفتح لي نافذةً على وطنٍ يُنقّح مساره، ويقوّي بنيانه، ويزيل ما عَلِق في زواياه من شوائب التراخي والجمود، وطنٍ ينهض لا من فراغ، بل من عزيمة تُعيد ترتيب أولوياته، وتُعيد الاعتبار لما يستحق أن يُصان.

وها أنا اليوم، في الذكرى الـ95 أكتب من جديد. لكنّ ما بين الذكرى والذكرى ليس مجرد أرقام، بل مسيرة وطنٍ واجه التحديات، وعبر بها إلى الضفة الأخرى… إلى حيث تُصبح الرؤية نهجًا، والإنجازات حقيقةً يراها القاصي والداني، ويتحدّث بها العالم بلغاته كافة.

في خضم التحولات الكبرى، ووسط عالمٍ يتغيّر على عجل، لم تكن المملكة تترقّب المجهول، بل سبقته برؤيةٍ نُسجت من طموحها الداخلي، وانطلقت لا لتُغيّر وجه الاقتصاد فقط، بل لتعيد تعريف الممكن.

في الخامس والعشرين من أبريل 2016، وُلدت رؤية السعودية 2030، لا بوصفها خطة عابرة، بل كمنعطف وطنيٍ حاسم، يُعيد توجيه البوصلة نحو المستقبل، ويمنح الأمل شكلًا قابلًا للتحقق.

لم تكن الرؤية وعدًا معلقًا في الأفق، بل كانت التزامًا واضحًا، بأهداف قابلة للقياس، وخطط تتجاوز المألوف.
من تمكين المرأة، إلى تنويع الاقتصاد،
من إشعال شرارة الابتكار، إلى إعادة فتح نوافذ السياحة والثقافة والترفيه،
من محاربة الفساد، إلى تمكين الشباب وخلق بيئة تنافسية تعيد تعريف العمل والقيمة والفرص.

ومع كل ذلك، لم تتخلّ المملكة عن ملامحها الأصيلة…
بل جعلت الرؤية امتدادًا للثوابت، لا قطيعة معها،
واستخدمت أدوات العصر لا لتستبدل روحها، بل لتجعلها مرئيةً أكثر… مفهومةً أكثر… ومُلهمة للعالم من حولها.

لم تكن رحلة الرؤية يسيرة، بل عبرت محطات من التحديات التي تتطلب عزيمة، وتستلزم قراراتٍ جريئة.
فلم يكن كسر الاعتماد على النفط قرارًا اقتصاديًا فقط، بل كان قرارًا ثقافيًا أيضًا… قرارًا بمغادرة منطقة الراحة، والتوجه نحو مستقبلٍ أكثر تنوعًا ومسؤولية.

وفي مواجهة البطالة، لم تبحث المملكة عن حلول مؤقتة أو مسكنات جاهزة، بل صاغت سياساتٍ جديدة تخلق الفرص، وتستنهض الطاقات، وتُعيد توزيع الأدوار، وتجعل من المواطن شريكًا لا متلقيًا.

أما في الثقافة والهوية، فقدّمت المملكة مكنونها العريق بمنظور سعوديّ حيّ، يُعرّف به الجيل الجديد، ويحفظ ملامحها الأصيلة في اللباس، والطعام، والعمارة… حتى أبهرت بها السيّاح، وأجبرت عدسات القنوات العالمية على التوقّف طويلًا.

ثم جاء التحدي الأكبر عالميًا: جائحة كورونا، لتتوقف حركة البشر، وتضطرب الأسواق، ويختبر العالم قدرة الدول على الصمود.
وفي هذا الامتحان الكوني، أثبتت المملكة أنها لا تملك رؤية على الورق فقط، بل تملك قدرة تنفيذ وإدارة، جعلتها تقود نفسها وشعبها بوعيٍ ومرونة، من الداخل إلى الخارج، في الاقتصاد كما في الصحة، وفي التعليم كما في الأمن الغذائي.

لم تكن هذه التحديات عثرة، بل كانت اختبارًا للإرادة…
والمملكة، حين تُختبر، تُثبت أنها أكثر رسوخًا مما يظنّ البعض، وأكثر طموحًا مما تتوقّعه العيون القاصرة.

لم تكتفِ المملكة بتحديث الداخل، بل وسّعت حضورها خارج حدود الجغرافيا، حتى غدت صوتًا مؤثّرًا في التوازنات الإقليمية، وفاعلًا أساسيًا في القرار الدولي.

في مجموعة العشرين (G20)، لم تكن مجرد عضو رقمي، بل كانت ممثّلًا عربيًا وحيدًا يقدّم وجهًا مختلفًا للمنطقة، وجهًا يتحدّث بلغة الاقتصاد الحديث، ويطرح مبادرات تعكس النضج والرؤية.

وفي ميدان السياسة، صعدت المملكة إلى موقع الوسيط العاقل، لا بالصوت العالي، بل بالحضور الهادئ الذي يعرف متى يتكلم، ومتى يُنصت ليُنجز.
من روسيا وأمريكا، إلى روسيا ورومانيا، ومن ساحات الحرب في أوكرانيا، إلى طاولات التقارب مع إيران،
قدّمت المملكة نفسها طرفًا نزيهًا، قادرًا على بناء الجسور، وكسر الجمود، وتقديم الحلول بدل أن تكون جزءًا من الاصطفاف.

وفي الملف السوري، لم تكن المملكة طرفًا في النزاع، ولا بوابةً لتغذية الانقسام كما فعلت بعض القوى الإقليمية، بل حافظت على موقف متّزن ينطلق من حرصها على وحدة سوريا وسلامة شعبها.

سعت المملكة، في مراحل مبكرة، إلى الدفع نحو حوار إقليمي واقعي، يُبقي القرار سوريًا، ويعيد سوريا إلى محيطها العربي، دون أن تكون ضحيةً لصراع المحاور أو رهينةً للعزلة.

وفي مايو 2025، وخلال منتدى الاستثمار السعودي–الأمريكي في الرياض، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا،
وهي خطوة جاءت متناغمة مع جهودٍ سعودية سبقتها، هدفت إلى تخفيف الحصار عن الشعب السوري، وإعادة فتح الباب أمام حلٍ سياسي شامل يحفظ كرامة الدولة، وحقوق الإنسان، واستقرار المنطقة.

وفي عالمٍ يشهد سباقًا محمومًا نحو المصالح، رفعت المملكة راية المبادرات الخضراء، وأطلقت مبادرة الشرق الأوسط الأخضر لتُثبت أن التنمية لا تعني استنزاف الأرض، وأن النفط لا يمنع الوعي البيئي، بل يمكن أن يكون بوابته.

بهذا كله، لم تعد السعودية مجرّد دولة في الخريطة، بل أصبحت نموذجًا يُقرأ، ويُستشهد به، ويُدرّس… نموذجًا استطاع أن يجمع بين الأصالة والتأثير، بين الثبات والمرونة، بين الانتماء للعقيدة… والانفتاح على العالم.

ما بين الذكرى 77 والذكرى 95 تغيّرت أشياء كثيرة… تغيّرت المدن، وتبدّلت التفاصيل، وتقدّمت المملكة بخطى لم تكن متوقعة، لكنها لم تكن صدفة.
ظلّ شيء واحد ثابتًا في قلبي… أن هذا الوطن لا يُكتب فقط، بل يُعاش.

في 2007، كتبت أول مقالاتي عن الوطن، شابًا يرى في الذكرى مناسبة للفخر والامتنان.
واليوم، بعد كل هذا الطريق، أكتب عنه كما يُكتب التاريخ: بشهودٍ، وحقائق، ودهشة.

رأيتُ المملكة وهي تُحوّل الرؤية إلى واقع، والمحن إلى منصات، والحلم إلى مشاريع،
ورأيتُها تُعلّم العالم أن السيادة لا تُستورد، وأن الكرامة لا تُشترى، وأن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع.

وإن كانت الرؤية قد صاغت ملامح مستقبل الوطن،
فإنّ الكلمة الصادقة، والمحتوى المسؤول، والنفس المُلهمة…
هي ما يُكمّل هذه الصورة، ويُسهم في نقلها بضميرٍ إلى الداخل… وإلى العالم.

هذا الوطن لا يحتاج منّا مجرد احتفال، بل يحتاج إلى رواةٍ يُجيدون الحكي،
وعيونٍ تُبصر العمق، وقلوبٍ تُحبّه بما يكفي لتصدّقه حين يتعثر… وتفرح به حين ينهض.

فكل عام والسعودية لنا وطن،
وللعالم… رسالة، ونموذج، ورؤية تُقرأ بكل اللغات.

التعليقات ()

مشاركة

أخر الأخبار

روما يفوز على لاتسيو ويحسم الديربي
روما يفوز على لاتسيو ويحسم الديربي
ماجد محمد
منذ 8 دقيقة
0
1355
الخضيري: أدخنة البخور والمعمول تهدد الصحة.. فيديو
الخضيري: أدخنة البخور والمعمول تهدد الصحة.. فيديو
أميرة خالد
منذ 12 دقيقة
0
1362
فيفا يتسلم ملعب الإنماء قبل لقاء الأهلي وبيراميدز
فيفا يتسلم ملعب الإنماء قبل لقاء الأهلي وبيراميدز
ماجد محمد
منذ 35 دقيقة
0
1406
8c9ce436-eb30-4f85-a263-e940e6325a2d.jpg
العدالة يكثف استعداداته لمواجهة الهلال
نواف السالم
منذ 36 دقيقة
0
1406
كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف رسمياً بدولة فلسطين
كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف رسمياً بدولة فلسطين
وكالات
منذ 39 دقيقة
0
1411
إعلان
مساحة إعلانية