هل حان الوقت لمنح الإدارة القانونية والحوكمة الاستقلالية الكاملة في الجهات الحكومية؟
الإدارة القانونية اليوم لم تعد مجرد قسم داعم داخل الجهات الحكومية، بل أصبحت عنصرًا استراتيجيًا ومحوريًا يضمن الامتثال للأنظمة واللوائح ويعزز الفعالية المؤسسية عبر جميع الإدارات. ومع ذلك، لا تزال العديد من الإدارات القانونية تواجه تحديات جوهرية تتعلق بضغط المسؤولين التنفيذيين والتوجهات الإدارية للجهة، مما قد يؤثر على حياد الرأي القانوني وجودة الاستشارات المقدمة.
يمتد دور الإدارة القانونية ليشمل الإشراف على السياسات والإجراءات، التشريعات، القرارات، الشؤون المالية، التدقيق، إدارة المخاطر التشغيلية والقانونية، والامتثال المؤسسي. كما تتقاطع مع جميع الإدارات الأخرى لضمان توافق أعمال الجهة مع الأنظمة والضوابط العامة والتعاميم والسياسات الوطنية. فهي تمثل المرجعية القانونية الشاملة لكل العمليات المؤسسية، إذ تقوم بدراسة ومراجعة جميع السياسات والإجراءات في مختلف الإدارات، والتأكد من صحتها ومطابقتها للمعايير القانونية، مع ضمان التوازن بين الطموحات التشغيلية للجهة ومتطلبات الامتثال القانوني والحوكمة المؤسسية.
دمج الإدارة القانونية مع إدارة الحوكمة (Governance) يعزز هذا الدور بشكل أكبر، حيث تلعب الإدارة القانونية دورًا محوريًا في الإشراف على أمانة المجالس، متابعة القرارات، والإجراءات خلال الدورة المؤسسية الكاملة. يشمل هذا الإشراف مراجعة كافة السياسات والإجراءات قبل اعتمادها، التأكد من توافقها مع القوانين، تقديم الملاحظات القانونية، ومراقبة تنفيذ القرارات بعد صدورها لضمان التزام جميع الإدارات بالقواعد المعتمدة وحماية مصالح الجهة. كما تعمل الإدارة القانونية على تحليل المخاطر القانونية والمخاطر التشغيلية، وتقديم التوصيات اللازمة لتجنب أي آثار سلبية على الأداء المؤسسي أو المصالح العامة، بما يضمن الحياد والموضوعية في إصدار القرارات.
نظرًا لطبيعة الدورة المؤسسية الواسعة وتأثير القرارات على جميع الإدارات، فإن الإدارة القانونية تحتاج إلى استقلالية كاملة تمكنها من تقديم الرأي القانوني بحرية وموضوعية بعيدًا عن أي ضغوط داخلية من المسؤولين التنفيذيين أو التوجهات الإدارية للجهة. هذه الاستقلالية تتيح لها التدقيق في العقود، مراجعة الإجراءات، تقديم الاستشارات القانونية، والإشراف على الامتثال دون تأثير خارجي أو داخلي. كما تشمل صلاحياتها مراقبة جميع الإدارات لضمان توافق القرارات مع اللوائح والسياسات، وتقديم التوجيه القانوني اللازم لحماية مصالح جميع القطاعات داخل الجهة.
لتقوية هذه الاستقلالية وضمان حياد الرأي القانوني، يجب أن تكون جميع الإدارات القانونية في الجهات الحكومية مرتبطة بمرجعية خارجية مركزية وحكومية. يعمل هذا المركز الخارجي كمرجع قانوني وفني لجميع الإدارات القانونية، ويضع المعايير المهنية الموحدة، ويشرف على الأداء، ويقوم بمراجعة وتقييم الآراء القانونية الكبرى قبل اعتمادها. الربط بالمركز الخارجي يضمن أن أي رأي قانوني يصدر من الإدارة القانونية داخل الجهة مستند إلى تقييم مهني موضوعي، حتى إذا لم يتوافق مع توجهات المسؤولين، مما يمنح الإدارة القوة اللازمة للحفاظ على استقلاليتها وحماية المصالح العامة. كما يتيح المركز الخارجي وضع برامج تدريبية مستمرة للمستشارين القانونيين، وتحديث المعايير والإجراءات بما يواكب التغيرات القانونية والتشريعية.
يمتد دور الإدارة القانونية ليشمل جميع العمليات التشغيلية في الجهة، فهي تراقب القرارات والإجراءات لضمان مطابقتها للأنظمة، تشرف على صياغة العقود والاتفاقيات بما يحمي مصالح الجهة، وتدقق على العمليات المالية والإدارية لضمان الامتثال الكامل. كما تقوم الإدارة القانونية بمتابعة تنفيذ القرارات والإجراءات، وتحليل المخاطر القانونية والمخاطر التشغيلية، وتقديم التوصيات المناسبة للتخفيف من أي أثر سلبي محتمل على الجهة. هذا الدور يجعل الإدارة القانونية مرجعية أساسية لكل الإدارات، ويحولها إلى عنصر حيادي وموضوعي يمكن الاعتماد عليه في حماية الجهة من المخاطر القانونية والتشغيلية والاستراتيجية.
تنسق الإدارة القانونية عملها مع الإدارات الأخرى مثل المالية، التشغيل، الموارد البشرية، وإدارة المخاطر لضمان توافق القرارات والسياسات عبر جميع القطاعات. يشمل هذا التنسيق دراسة التأثير المالي والبشري للقرارات، مراجعة سياسات التشغيل، وضمان الالتزام بالمعايير القانونية في جميع الإجراءات. الإدارة القانونية في هذا السياق لا تعمل بمعزل، بل كمرجعية مركزية تدعم جميع الإدارات وتضمن التوازن بين الأداء الفعال والالتزام الكامل بالقوانين واللوائح، بما يحمي مصالح جميع الأطراف داخل الجهة.
الربط بالمركز الخارجي يتيح أيضًا توحيد المعايير عبر جميع الجهات، تقديم التقييمات المهنية المستمرة، ومتابعة تنفيذ السياسات والإجراءات بشكل شامل، بما يعزز قوة الإدارة القانونية وقدرتها على حماية مصالح الجهة ومواجهة أي محاولات تدخل في قراراتها. كما يوفر المركز الخارجي دعمًا مستمرًا في تحديث التشريعات، مراجعة اللوائح، وتقديم الحلول القانونية المناسبة للجهة عند مواجهة أي تحديات قانونية أو تنظيمية معقدة.
من خلال هذه الاستراتيجية، تصبح الإدارة القانونية قوة محورية تضمن حياد الرأي القانوني، استقلالية المستشارين، وحماية مصالح الجهة بكافة أبعادها، بما في ذلك المخاطر التشغيلية والقانونية، وتنسيق العمل بين جميع الإدارات. كما تضمن أن كل قرار أو إجراء يعتمد على قاعدة قانونية متينة وواضحة، مع حماية مصالح جميع الأطراف ومنع أي تدخل داخلي أو خارجي قد يؤثر على الموضوعية. الإدارة القانونية بهذا الشكل تمثل الركيزة الأساسية للحوكمة المؤسسية والقوة المهنية، التي تضمن الشفافيةوالامتثال،





